برنامج اقرؤوا القرآن تصحيح التلاوة للآية رقم 33 من سورة البقرة - لفضيلة الشيخ / ياسر الجندي - حلقة مسجلة من إذاعة القرآن الكريم القاهرة
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
تفسير بن كثير
هذا مقام ذَكَر اللّه تعالى فيه شرف آدم على الملائكة، بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليقة، حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولهذا ذكر اللّه هذا المقام عقيب هذا ليبيّن لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم، فقال تعالى: { وعلم آدم الأسماء كلها} قال السدي عن ابن عباس: { وعلم آدم الأسماء كلها} علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً، والدواب فقيل هذا الحمار، هذا الجمل، هذا الفرس ""هذه رواية السدي عن بن عباس، والثانية رواية الضحاك عنه""وقال الضحاك عن ابن عباس { وعلم آدم الأسماء كلها} قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودواب، وسماء، وأرض وسهل، وبحر، وخيل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. وقال مجاهد { وعلم آدم الأسماء كلها} : علمه اسم كل دابة، وكل طير، وكل شيء، وكذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها، ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية عن أنَس عن النبي صلى اللَه عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك اللّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلَّمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ""أخرجه البخاري عن أنَس بن مالك ورواه مسلم والنسائي وابن ماجة"") الحديث. فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال: { ثم عرضهم على الملائكة} يعني المسميات { فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} ، قال مجاهد: ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة. وقال ابن جرير عن الحسن وقتادة قال: علَّمه اسم كل شيء، وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة، وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى { إن كنتم صادقين} إني لم أخلق خلقا إلى كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، وقال السدي { إن كنتم صادقين} أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} هذا تقديس وتنزيه من الملائكة للّه تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وأن يعلموا شيئاً إلا ما علّمهم اللّه تعالى ولهذا قالوا: { سبحانك لا علم لنا إلى ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} أي العليمُ بكل شيء الحكيمُ في خلقك وأمرك، وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء، لك الحكمة في ذلك والعدل التام. عن ابن عباس { سبحان اللّه} قال: تنزيه اللّه نفسه عن السوء. قوله تعالى { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} : لما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه اللّه تعالى من أسماء الأشياء، قال اللّه تعالى للملائكة: { ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} أي ألم أتقدم إليكم إني أعلم الغيب الظاهر والخفي، كما قال تعالى: { وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى} وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان: { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} ، وعن ابن عباس { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} : أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} فكان الذي أبدوا هو قولهم: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم: لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم. فعرفوا أن اللّه فضّل عليهم آدم في العلم والكرم وقال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس، وهو أن معنى قوله تعالى { وأعلم ما تبدون} : وأعلم مع علمي غيب السماوات والأرض ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم فلا يخفى علي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم. والذي أظهروه بألسنتهم قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها، والذي كانوا يكتمونه ما كان عليه منطوياً إبليس من الخلاف على اللّه في أوامره والتكبر عن طاعته، قال: وصح ذلك كما تقول العرب: قتل الجيش وهزموا، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم، كما قال تعالى: { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} ذُكِر أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم، قال وكذلك قوله: { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} .
تفسير الجلالين
{ قال } تعالى { يا آدم أنبئهم } أي الملائكة { بأسمائهم } المسميات فسمى كل شيء باسمه وذكر حكمته التي خلق لها { فلما أنبأهم بأسمائهم قال } تعالى لهم موبخاً { ألم أقل لكم إنَّي أعلم غيب السماوات والأرض } ما غاب فيهما { وأعلم ما تبدون } ما تظهرون من قولكم أتجعل فيها الخ { وما كنتم تكتمون } تسرون من قولكم لن يخلق الله أكرم عليه منا ولا أعلم .
تفسير الطبري
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ مَلَائِكَته الَّذِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلهُمْ الْخُلَفَاء فِي الْأَرْض وَوَصَفُوا أَنْفُسهمْ بِطَاعَتِهِ وَالْخُضُوع لِأَمْرِهِ دُون غَيْرهمْ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ قِيهَا وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , أَنَّهُمْ مِنْ الْجَهْل بِمَوَاقِع تَدْبِيره وَمَحِلّ قَضَائِهِ , قَبْل إطْلَاعه إيَّاهُمْ عَلَيْهِ , عَلَى نَحْو جَهْلهمْ بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمهُمْ فَيَعْلَمُوهُ , وَأَنَّهُمْ وَغَيْرهمْ مِنْ الْعِبَاد لَا يَعْلَمُونَ مِنْ الْعِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَبّهمْ , وَأَنَّهُ يَخُصّ بِمَا شَاءَ مِنْ الْعِلْم مِنْ شَاءَ مِنْ الْخَلْق وَيَمْنَعهُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ كَمَا عَلَّمَ آدَم أَسَمَاء مَا عَرَضَ عَلَى الْمَلَائِكَة وَمَنْعهمْ مِنْ عِلْمهَا إلَّا بَعْد تَعْلِيمه إيَّاهُمْ . فَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ } يَقُول : أَخْبِرْ الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { أَنْبِئْهُمْ } عَائِدَتَانِ عَلَى الْمَلَائِكَة , وَقَوْله : { بِأَسْمَائِهِمْ } يَعْنِي بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي " أَسْمَائِهِمْ " كِنَايَة عَنْ ذِكْر هَؤُلَاءِ الَّتِي فِي قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ } يَقُول : فَلَمَّا أَخْبَرَ آدَم الْمَلَائِكَة بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يَعْرِفُوا أَسَمَاءَهُمْ , وَأَيْقَنُوا خَطَأ قِيلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَأَنَّهُمْ قَدْ هَفَوْا فِي ذَلِكَ وَقَالُوا مَا لَا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّة وُقُوع قَضَاء رَبّهمْ فِي ذَلِكَ , لَوْ وَقَعَ عَلَى مَا نَطَقُوا بِهِ , قَالَ لَهُمْ رَبّهمْ { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } - وَالْغَيْب : هُوَ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارهمْ فَلَمْ يُعَايِنُوهُ - تَوْبِيخًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ قِيلهمْ وَفَرَّطَ مِنْهُمْ مَنْ خَطَّأَ مَسْأَلَتهمْ , كَمَا : 564 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } يَقُول : أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ , { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ } أَيّهَا الْمَلَائِكَة خَاصَّة { إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَلَا يَعْلَمهُ غَيْرِي . 565 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قِصَّة الْمَلَائِكَة وَآدَم , فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : كَمَا لَمْ تَعْلَمُوا هَذِهِ الْأَسْمَاء فَلَيْسَ لَكُمْ عِلْم , إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَجَعَلَهُمْ لِيُفْسِدُوا فِيهَا , هَذَا عِنْدِي قَدْ عَلِمْته ; فَكَذَلِكَ أَخْفَيْت عَنْكُمْ أَنِّي أَجْعَل فِيهَا مَنْ يَعْصِينِي وَمَنْ يُطِيعنِي . قَالَ : وَسَبَقَ مِنْ اللَّه : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } 11 119 قَالَ : وَلَمْ تَعْلَم الْمَلَائِكَة ذَلِكَ وَلَمْ يَدْرُوهُ . قَالَ : فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّه آدَم مِنْ الْعِلْم أَقَرُّوا لِآدَم بِالْفَضْلِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ مَلَائِكَته الَّذِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلهُمْ الْخُلَفَاء فِي الْأَرْض وَوَصَفُوا أَنْفُسهمْ بِطَاعَتِهِ وَالْخُضُوع لِأَمْرِهِ دُون غَيْرهمْ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ قِيهَا وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , أَنَّهُمْ مِنْ الْجَهْل بِمَوَاقِع تَدْبِيره وَمَحِلّ قَضَائِهِ , قَبْل إطْلَاعه إيَّاهُمْ عَلَيْهِ , عَلَى نَحْو جَهْلهمْ بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمهُمْ فَيَعْلَمُوهُ , وَأَنَّهُمْ وَغَيْرهمْ مِنْ الْعِبَاد لَا يَعْلَمُونَ مِنْ الْعِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَبّهمْ , وَأَنَّهُ يَخُصّ بِمَا شَاءَ مِنْ الْعِلْم مِنْ شَاءَ مِنْ الْخَلْق وَيَمْنَعهُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ كَمَا عَلَّمَ آدَم أَسَمَاء مَا عَرَضَ عَلَى الْمَلَائِكَة وَمَنْعهمْ مِنْ عِلْمهَا إلَّا بَعْد تَعْلِيمه إيَّاهُمْ . فَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ } يَقُول : أَخْبِرْ الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { أَنْبِئْهُمْ } عَائِدَتَانِ عَلَى الْمَلَائِكَة , وَقَوْله : { بِأَسْمَائِهِمْ } يَعْنِي بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي " أَسْمَائِهِمْ " كِنَايَة عَنْ ذِكْر هَؤُلَاءِ الَّتِي فِي قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ } يَقُول : فَلَمَّا أَخْبَرَ آدَم الْمَلَائِكَة بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يَعْرِفُوا أَسَمَاءَهُمْ , وَأَيْقَنُوا خَطَأ قِيلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَأَنَّهُمْ قَدْ هَفَوْا فِي ذَلِكَ وَقَالُوا مَا لَا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّة وُقُوع قَضَاء رَبّهمْ فِي ذَلِكَ , لَوْ وَقَعَ عَلَى مَا نَطَقُوا بِهِ , قَالَ لَهُمْ رَبّهمْ { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } - وَالْغَيْب : هُوَ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارهمْ فَلَمْ يُعَايِنُوهُ - تَوْبِيخًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ قِيلهمْ وَفَرَّطَ مِنْهُمْ مَنْ خَطَّأَ مَسْأَلَتهمْ , كَمَا : 564 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } يَقُول : أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ , { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ } أَيّهَا الْمَلَائِكَة خَاصَّة { إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَلَا يَعْلَمهُ غَيْرِي . 565 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قِصَّة الْمَلَائِكَة وَآدَم , فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : كَمَا لَمْ تَعْلَمُوا هَذِهِ الْأَسْمَاء فَلَيْسَ لَكُمْ عِلْم , إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَجَعَلَهُمْ لِيُفْسِدُوا فِيهَا , هَذَا عِنْدِي قَدْ عَلِمْته ; فَكَذَلِكَ أَخْفَيْت عَنْكُمْ أَنِّي أَجْعَل فِيهَا مَنْ يَعْصِينِي وَمَنْ يُطِيعنِي . قَالَ : وَسَبَقَ مِنْ اللَّه : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } 11 119 قَالَ : وَلَمْ تَعْلَم الْمَلَائِكَة ذَلِكَ وَلَمْ يَدْرُوهُ . قَالَ : فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّه آدَم مِنْ الْعِلْم أَقَرُّوا لِآدَم بِالْفَضْلِ . ' الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 566 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول : مَا تُظْهِرُونَ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَقُول : أَعْلَم السِّرّ كَمَا أَعْلَم الْعَلَانِيَة . يَعْنِي مَا كَتَمَ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالِاغْتِرَار . 567 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَهَذَا الَّذِي أَبْدَوْا , { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَعْنِي مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر . 568 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه . 569 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر أَنْ لَا يَسْجُد لِآدَم . 570 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج الْأَنْمَاطِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَهْدِيّ بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن دِينَار قَالَ لِلْحَسَنِ وَنَحْنُ جُلُوس عِنْده فِي مَنْزِله : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ الْحَسَن : إنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجِيبًا , فَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض , وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 571 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : أَسَرُّوا بَيْنهمْ فَقَالُوا يَخْلُق اللَّه مَا يَشَاء أَنْ يَخْلُق , فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا وَنَحْنُ أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 572 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِين قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنهمْ قَوْلهمْ : لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم . فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّه فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم فِي الْعِلْم وَالْكَرَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } وَأَعْلَم مَعَ عِلْمِي غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا تُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَمَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء سَوَاء عِنْدِي سَرَائِركُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ . وَاَلَّذِي أَظَهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ , وَهُوَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مَا كَانَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ إبْلِيس مِنْ الْخِلَاف عَلَى اللَّه فِي أَمْره وَالتَّكَبُّر عَنْ طَاعَته ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَهُوَ مَا قُلْنَا . وَالْآخَر مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كِتْمَان الْمَلَائِكَة بَيْنهمْ لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ ; فَإِذَا كَانَ لَا قَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إلَّا أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت ثُمَّ كَانَ أَحَدهمَا غَيْر مَوْجُودَة عَلَى صِحَّته الدَّلَالَة مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ صَحَّ الْوَجْه الْآخَر . فَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر مَوْجُودَة الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته مِنْ الْكِتَاب وَلَا مِنْ خَبَر يَجِب بِهِ حُجَّة . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّته خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إبْلِيس وَعِصْيَانه إيَّاهُ إذْ دَعَاهُ إلَى السُّجُود لِآدَم , فَأَبَى وَاسْتُكْبِرَ , وَإِظْهَاره لِسَائِرِ الْمَلَائِكَة مِنْ مَعْصِيَته وَكِبْره مَا كَانَ لَهُ كَاتِمًا قَبْل ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْخَبَر عَنْ كِتْمَان الْمَلَائِكَة مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَا رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ كِتْمَان إبْلِيس الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة صَحِيحًا , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا أَخْبَرَتْ خَبَرًا عَنْ بَعْض جَمَاعَة بِغَيْرِ تَسْمِيَة شَخْص بِعَيْنِهِ أَنْ تُخَرِّج الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : قُتِلَ الْجَيْش وَهُزِمُوا , وَإِنَّمَا قُتِلَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض مِنْهُمْ , وَهُزِمَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض , فَتُخَرِّج الْخَبَر عَنْ الْمَهْزُوم مِنْهُ وَالْمَقْتُول مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } 49 4 ذِكْر أَنَّ الَّذِي نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , كَانَ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَة بَنِي تَمِيم , كَانُوا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع , وَالْمُرَاد بِهِ الْوَاحِد مِنْهُمْ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 566 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول : مَا تُظْهِرُونَ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَقُول : أَعْلَم السِّرّ كَمَا أَعْلَم الْعَلَانِيَة . يَعْنِي مَا كَتَمَ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالِاغْتِرَار . 567 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَهَذَا الَّذِي أَبْدَوْا , { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَعْنِي مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر . 568 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه . 569 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر أَنْ لَا يَسْجُد لِآدَم . 570 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج الْأَنْمَاطِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَهْدِيّ بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن دِينَار قَالَ لِلْحَسَنِ وَنَحْنُ جُلُوس عِنْده فِي مَنْزِله : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ الْحَسَن : إنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجِيبًا , فَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض , وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 571 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : أَسَرُّوا بَيْنهمْ فَقَالُوا يَخْلُق اللَّه مَا يَشَاء أَنْ يَخْلُق , فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا وَنَحْنُ أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 572 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِين قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنهمْ قَوْلهمْ : لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم . فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّه فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم فِي الْعِلْم وَالْكَرَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } وَأَعْلَم مَعَ عِلْمِي غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا تُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَمَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء سَوَاء عِنْدِي سَرَائِركُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ . وَاَلَّذِي أَظَهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ , وَهُوَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مَا كَانَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ إبْلِيس مِنْ الْخِلَاف عَلَى اللَّه فِي أَمْره وَالتَّكَبُّر عَنْ طَاعَته ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَهُوَ مَا قُلْنَا . وَالْآخَر مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كِتْمَان الْمَلَائِكَة بَيْنهمْ لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ ; فَإِذَا كَانَ لَا قَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إلَّا أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت ثُمَّ كَانَ أَحَدهمَا غَيْر مَوْجُودَة عَلَى صِحَّته الدَّلَالَة مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ صَحَّ الْوَجْه الْآخَر . فَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر مَوْجُودَة الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته مِنْ الْكِتَاب وَلَا مِنْ خَبَر يَجِب بِهِ حُجَّة . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّته خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إبْلِيس وَعِصْيَانه إيَّاهُ إذْ دَعَاهُ إلَى السُّجُود لِآدَم , فَأَبَى وَاسْتُكْبِرَ , وَإِظْهَاره لِسَائِرِ الْمَلَائِكَة مِنْ مَعْصِيَته وَكِبْره مَا كَانَ لَهُ كَاتِمًا قَبْل ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْخَبَر عَنْ كِتْمَان الْمَلَائِكَة مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَا رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ كِتْمَان إبْلِيس الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة صَحِيحًا , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا أَخْبَرَتْ خَبَرًا عَنْ بَعْض جَمَاعَة بِغَيْرِ تَسْمِيَة شَخْص بِعَيْنِهِ أَنْ تُخَرِّج الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : قُتِلَ الْجَيْش وَهُزِمُوا , وَإِنَّمَا قُتِلَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض مِنْهُمْ , وَهُزِمَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض , فَتُخَرِّج الْخَبَر عَنْ الْمَهْزُوم مِنْهُ وَالْمَقْتُول مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } 49 4 ذِكْر أَنَّ الَّذِي نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , كَانَ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَة بَنِي تَمِيم , كَانُوا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع , وَالْمُرَاد بِهِ الْوَاحِد مِنْهُمْ .'
تعليقات
إرسال تعليق