برنامج اقرؤوا القرآن تصحيح التلاوة للآية رقم 34 من سورة البقرة - لفضيلة الشيخ / ياسر الجندي - حلقة مسجلة من إذاعة القرآن الكريم القاهرة
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
تفسير بن كثير
وهذه كرامة عظيمة من اللّه تعالى لآدم امتَنَّ بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسى عليه السلام: (رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فلما اجتمع به قال: أنت آدم الذي خلقه اللّه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته؟) قال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء اللّه. والغرض أن اللّه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر. قال طاوس عن ابن عباس: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً، وأكثرهم علماً، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حيٍّ يسمون جناً وقال سعيد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا. وقال ابن جرير عن الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وهذا إسناد صحيح عن الحسن. وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، رواه ابن جرير، وعن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيراً فكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أُمروا بالسجود لآدم سجدوا فأبى إبليس فلذلك قال تعالى: { إلا إبليس كان من الجن} وقال أبو جعفر: { وكان من الكافرين} يعني من العاصين. قال قتادة في قوله تعالى { وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} : فكانت الطاعة للّه والسجدة لآدم، أكرم اللّه آدم أن اسجد له ملائكته، وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى: { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا. قال معاذ: (قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول اللّه أحق أن يسجد لك، فقال: (لا، لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) ورجحه الرازي. وقال بعضهم: بل كانت السجدة للّه وآدم قبلة فيها، والأظهر أن القول الأول أولى والسجدة لآدم كانت إكراما وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهي طاعة للّه عزّ وجلّ لأنها امتثال لأمره تعالى، وقد قوّاه الرازي في تفسيره وضعَّف ما عداه من القولين الآخرين، وهما: كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف، والآخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض، وهو ضعيف كما قال. وقال قتادة في قوله تعالى { فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} : حسد عدوّ اللّه إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه اللّه من الكرامة وقال: أنا ناري وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدوّ اللّه أن يسجد لآدم عليه السلام. قلت: وقد ثبت في الصحيح:( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر) وقد كان في قلب إبليس من الكبر، والكفر والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس، قال بعض المعربين { وكان من الكافرين} : أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال: { فكان من المغرقين} ، وقال: { فتكونا من الظالمين} ، وقال الشاعر: بتيهاء قفر والمطي كأنها ** قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها أي قد صارت، وقال ابن فورك تقديره: وقد كان في علم اللّه من الكافرين، ورجَّحه القرطبي، وذكر ههنا مسألة فقال، قال علماؤنا: من أظهر اللّه على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة. قلت: وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال: هو الدخ، حين خبأ له رسول اللّه صلى اللَه عليه وسلم : { فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين} ، وبما كان صدر عنه، أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد اللّه بن عمر، وبما تثبتت به الأحاديث الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة، من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وكان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة.
تفسير الجلالين
{ و } اذكر { إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } سجود تحية بالانحناء { فسجدوا إلا إبليس } هو أبو الجن كان بين الملائكة { أبى } امتنع من السجود { واستكبر } تكبَّر عنه وقال: أنا خير منه { وكان من الكافرين } في علم الله.
تفسير الطبري
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا } فَمَعْطُوف عَلَى قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مُعَدِّدًا عَلَيْهِمْ نِعَمه , وَمُذَكِّرهمْ آلَاءَهُ عَلَى نَحْو الَّذِي وَصَفْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل : اُذْكُرُوا فَعَلَيَّ بِكُمْ إذْ أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , فَخَلَقْت لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَإِذْ قُلْت لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة , فَكَرَّمْت أَبَاكُمْ آدَم بِمَا آتَيْته مِنْ عِلْمِي وَفَضْلِي وَكَرَامَتِي , وَإِذْ أَسْجَدْت لَهُ مَلَائِكَتِي فَسَجَدُوا لَهُ . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعهمْ إبْلِيس , فَدَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ أَمَرَ بِالسُّجُودِ مَعَهُمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إلَّا إبْلِيس لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إذْ أَمَرْتُك } 7 11 : 12 فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ إبْلِيس فِيمَنْ أَمَرَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم . ثُمَّ اسْتَثْنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ مِنْ السُّجُود لِآدَم , فَأَخْرَجَهُ مِنْ الصِّفَة الَّتِي وَصَفَهُمْ بِهَا مِنْ الطَّاعَة لِأَمْرِهِ وَنَفَى عَنْهُ مَا أَثَبَتَهُ لِمَلَائِكَتِهِ مِنْ السُّجُود لِعَبْدِهِ آدَم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَمْ هُوَ مِنْ غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 573 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة , يُقَال لَهُمْ " الْجِنّ " خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . قَالَ : فَكَانَ اسْمه الْحَارِث . قَالَ : وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذَا الْتَهَبَتْ . 574 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس قَبْل أَنْ يَرْكَب الْمَعْصِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَكَانَ مِنْ أَشَدّ الْمَلَائِكَة اجْتِهَادًا وَأَكْثَرهمْ عِلْمًا , فَذَلِكَ دَعَاهُ إلَى الْكِبْر , وَكَانَ مِنْ حَيّ يُسَمَّوْنَ حِنًّا . 575 - وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , أَوْ مُجَاهِد أَبِي الْحَجَّاج , عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ مَلِكًا مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَعُمَّارهَا , وَكَانَ سُكَّان الْأَرْض فِيهِمْ يُسَمَّوْنَ الْجِنّ مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . 576 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : جَعَلَ إبْلِيس عَلَى مُلْك سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ مِنْ قَبِيلَة مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنّ لِأَنَّهُمْ خُزَّان الْجَنَّة , وَكَانَ إبْلِيس مَعَ مُلْكه خَازِنًا . 577 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ إبْلِيس مِنْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَان , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان الْأَرْض . قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : وَقَوْله : { كَانَ مِنْ الْجِنّ } , إنَّمَا يُسَمَّى بِالْجِنَانِ أَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَيْهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ : مَكِّيّ , وَمَدَنِي , وَكُوفِيّ , وَبَصْرِيّ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ سِبْط مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة , فَكَانَ اسْم قَبِيلَته الْجِنّ . 578 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة وَشَرِيك بْن أَبِي نَمِر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة مِنْ الْجِنّ , وَكَانَ إبْلِيس مِنْهَا , وَكَانَ يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَحُدِّثْت عَنْ الْحَسَن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول فِي قَوْله : { فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ إبْلِيس كَانَ مِنْ أَشَرَف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث ابْن جُرَيْجٍ الْأَوَّل سَوَاء . 579 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْبَان , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْن مِسْكِين , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كَانَ إبْلِيس رَئِيس مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا . 580 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَة لَمْ يُؤْمَر بِالسُّجُودِ وَكَانَ عَلَى خِزَانَة سَمَاء الدُّنْيَا . قَالَ : وَكَانَ قَتَادَةَ يَقُول : جَنَّ عَنْ طَاعَة رَبّه . وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . 581 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : أَمَّا الْعَرَب فَيَقُولُونَ : مَا الْجِنّ إلَّا كُلّ مِنْ اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ . وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 أَيْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَقَدْ قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } 37 158 وَذَلِكَ لِقَوْلِ قُرَيْش : إنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . فَيَقُول اللَّه : إنْ تَكُنْ الْمَلَائِكَة بَنَاتِي فَإِبْلِيس مِنْهَا , وَقَدْ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْن إبْلِيس وَذُرِّيَّته نَسَبًا . قَالَ : وَقَدْ قَالَ الْأَعْشَى , أَعْشَى بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ , وَهُوَ يَذْكُر سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَمَا أَعْطَاهُ اللَّه : وَلَوْ كَانَ شَيْء خَالِدًا أَوْ مُعَمَّرًا لَكَانَ سُلَيْمَان الْبَرِيّ مِنْ الدَّهْر بَرَاهُ إلَهِي وَاصْطَفَاهُ عباده وَمَلَّكَهُ ما بين ثُرْيَا إلَى مِصْر وَسَخَّرَ مِنْ جِنّ الْمَلَائِك تِسْعَة قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْر قَالَ : فَأَبَتْ الْعَرَب فِي لُغَتهَا إلَّا أَنَّ " الْجِنّ " كُلّ مَا اجْتَنَّ . يَقُول : مَا سَمَّى اللَّه الْجِنّ إلَّا أَنَّهُمْ اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَمَا سُمِّيَ بَنِي آدَم الْإِنْس إلَّا أَنَّهُمْ ظَهَرُوا فَلَمْ يَجْتَنُّوا , فَمَا ظَهَرَ فَهُوَ إنْس , وَمَا اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ فَهُوَ جِنّ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 582 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَا كَانَ إبْلِيس مِنْ الْمَلَائِكَة طَرْفَة عَيْن قَطّ , وَإِنَّهُ لِأَصْلِ الْجِنّ كَمَا أَنَّ آدَم أَصْل الْإِنْس . 583 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } إلْجَاء إلَى نَسَبه فَقَالَ اللَّه : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته أَوْلِيَاء مِنْ دُونِي } الْآيَة . .. وَهُمْ يَتَوَالَدُونَ كَمَا يَتَوَالَد بَنُو آدَم . 584 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْيَحْمُدِيّ , حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا سَوَّار بْن الْجَعْد الْيَحْمُدِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَوْله : { مِنْ الْجِنّ } قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمْ الْمَلَائِكَة , فَأَسَرَهُ بَعْض الْمَلَائِكَة فَذَهَبَ بِهِ إلَى السَّمَاء . 585 - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو نَصْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَلَّال , قَالَ : حَدَّثَنِي سُنَيْد بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ مُوسَى بْن نُمَيْر , وَعُثْمَان بْن سَعِيد بْن كَامِل , عَنْ سَعْد بْن مَسْعُود , قَالَ : كَانَتْ الْمَلَائِكَة تُقَاتِل الْجِنّ , فَسُبِيَ إبْلِيس وَكَانَ صَغِيرًا , فَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فَتَعَبَّدَ مَعَهَا . فَلَمَّا أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَم سَجَدُوا , فَأَبَى إبْلِيس ; فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 586 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُبَارَك بْن مُجَاهِد أَبُو الْأَزْهَر , عَنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَمِر , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلًا يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , فَكَانَ إبْلِيس مِنْهُمْ , وَكَانَ إبْلِيس يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَعَصَى , فَمَسَخَهُ اللَّه شَيْطَانًا رَجِيمًا . 587 - قَالَ : وَحَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : إبْلِيس أَبُو الْجِنّ , كَمَا آدَم أَبُو الْإِنْس . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّهُ خَلَقَ إبْلِيس مِنْ نَار السَّمُوم وَمِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَلَمْ يُخْبِر عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُ خَلَقَهَا مِنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ . وَأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ . فَقَالُوا : فَغَيْر جَائِز أَنْ يُنْسِب إلَى غَيْر مَا نَسَبَهُ اللَّه إلَيْهِ . قَالُوا : وَلَإِبْلِيس نَسْل وَذُرِّيَّة , وَالْمَلَائِكَة لَا تَتَنَاسَل وَلَا تَتَوَالَد . 588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ شَرِيك عَنْ رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ اللَّه خَلَقَ خَلْقًا , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم فَقَالُوا : لَا نَفْعَل . فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا تُحْرِقهُمْ . ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَر , فَقَالَ : إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين , اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَأَبَوْا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ . قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلَاءِ , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَقَالُوا : نَعَمْ . وَكَانَ إبْلِيس مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ عِلَل تُنْبِئ عَنْ ضَعْف مَعْرِفَة أَهْلهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكِر أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ أَصْنَاف مَلَائِكَته مِنْ أَصْنَاف مِنْ خَلْقه شَتَّى , فَخَلَقَ بَعْضًا مِنْ نُور . وَبَعْضًا مِنْ نَار , وَبَعْضًا مِمَّا شَاءَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ . وَلَيْسَ فِي تَرْك اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ مَلَائِكَته وَإِخْبَاره عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ إبْلِيس مَا يُوجِب أَنْ يَكُون إبْلِيس خَارِجًا عَنْ مَعْنَاهُمْ , إذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون خَلَقَ صِنْفًا مِنْ مَلَائِكَته مِنْ نَار كَانَ مِنْهُمْ إبْلِيس , وَأَنْ يَكُون أَفْرَدَ إبْلِيس بِأَنْ خَلَقَهُ مِنْ نَار السَّمُوم دُون سَائِر مَلَائِكَته . وَكَذَلِكَ غَيْر مَخْرَجه أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة بِأَنْ كَانَ لَهُ نَسْل وَذُرِّيَّة لِمَا رُكِّبَ فِيهِ مِنْ الشَّهْوَة وَاللَّذَّة الَّتِي نُزِعَتْ مِنْ سَائِر الْمَلَائِكَة لَمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ مِنْ الْمَعْصِيَة . وَأَمَّا خَبَر اللَّه عَنْ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ , فَغَيْر مَدْفُوع أَنْ يُسَمَّى مَا اُجْتُنَّ مِنْ الْأَشْيَاء عَنْ الْأَبْصَار كُلّهَا جِنًّا , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي شِعْر الْأَعْشَى , فَيَكُون إبْلِيس وَالْمَلَائِكَة مِنْهُمْ لِاجْتِنَانِهِمْ عَنْ أَبْصَار بَنِي آدَم . الْقَوْل فِي مَعْنَى إبْلِيس . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِبْلِيس " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس : وَهُوَ الْإِيَاس مِنْ الْخَيْر وَالنَّدَم والْحُزْن . كَمَا : 589 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إبْلِيس أَبْلَسَهُ اللَّه مِنْ الْخَيْر كُلّه وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَة لِمَعْصِيَتِهِ . 590 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ اسْم إبْلِيس الْحَارِث , وَإِنَّمَا سُمِّيَ إبْلِيس حِين أُبْلِسَ مُتَحَيَّرًا . [ قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَمَا ] قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } 6 44 يَعْنِي بِهِ أَنَّهُمْ آيِسُونَ مِنْ الْخَيْر , نَادِمُونَ حُزْنًا , كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِف رَسْمًا مُكْرَسَا قَالَ نَعَمْ أَعْرِفهُ وَأَبْلَسَا وَقَالَ رُؤْبَة : وَحَضَرْت يَوْم الْخَمِيس الْأَخْمَاس وَفِي الْوُجُوه صُفْرَة وَإِبْلَاس يَعْنِي بِهِ اكْتِئَابًا وَكُسُوفًا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ إبْلِيس كَمَا قُلْت " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس , فَهَلَّا صُرِفَ وَأُجْرِيَ ؟ قِيلَ : تُرِكَ إجْرَاؤُهُ اسْتِثْقَالًا إذْ كَانَ اسْمًا لَا نَظِير لَهُ مِنْ أَسَمَاء الْعَرَب , فَشَبَّهَتْهُ الْعَرَب إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِأَسْمَاءِ الْعَجَم الَّتِي لَا تُجْرَى , وَقَدْ قَالُوا : مَرَرْت بِإِسْحَاقَ , فَلَمْ يَجُرُّوهُ , وَهُوَ مَنْ أَسْحَقَهُ اللَّه إسْحَاقًا , إذْ كَانَ وَقَعَ مُبْتَدَأ اسْمًا لِغَيْرِ الْعَرَب ثُمَّ تَسَمَّتْ بِهِ الْعَرَب فَجَرَى مَجْرَاهُ , وَهُوَ مِنْ أَسَمَاء الْعَجَم فِي الْإِعْرَاب , فَلَمْ يُصْرَف . وَكَذَلِكَ أَيُّوب إنَّمَا هُوَ فَيْعُول مِنْ آبَ يَئُوب . وَتَأْوِيل قَوْله : { أَبَى } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ إبْلِيس أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُود لِآدَم فَلَمْ يَسْجُد لَهُ . { وَاسْتَكْبَرَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ تَعَظَّمَ وَتَكَبَّرَ عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لِآدَم . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَبَرًا عَنْ إبْلِيس , فَإِنَّهُ تَقْرِيع لِضُرَبَائِهِ مِنْ خَلْق اللَّه الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَالتَّسْلِيم لَهُ فِيمَا أَوَجَبَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض مِنْ الْحَقّ . وَكَانَ مِمَّنْ تَكَبَّرَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالتَّذَلُّل لِطَاعَتِهِ وَالتَّسْلِيم لِقَضَائِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ حُقُوق غَيْرهمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَحْبَارهمْ الَّذِينَ كَانُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصِفَته عَارِفِينَ وَبِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول عَالَمِينَ , ثُمَّ اسْتَكْبَرُوا مَعَ عِلْمهمْ بِذَلِكَ عَنْ الْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِهِ , بَغْيًا مِنْهُمْ لَهُ وَحَسَدًا , فَقَرَعَهُمْ اللَّه بِخَبَرِهِ عَنْ إبْلِيس الَّذِي فَعَلَ فِي اسْتِكْبَاره عَنْ السُّجُود لِآدَم حَسَدًا لَهُ وَبَغْيًا نَظِير فِعْلهمْ فِي التَّكَبُّر عَنْ الْإِذْعَان لِمُحَمَّدٍ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَنُبُوَّته , إذْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد رَبّهمْ حَسَدًا وَبَغْيًا . ثُمَّ وُصِفَ إبْلِيس بِمِثْلِ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الَّذِينَ ضَرَبَهُ لَهُمْ مَثَلًا فِي الِاسْتِكْبَار وَالْحَسَد وَالِاسْتِنْكَاف عَنْ الْخُضُوع لِمَنْ أَمَرَهُ اللَّه بِالْخُضُوعِ لَهُ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانَ } يَعْنِي إبْلِيس { مِنْ الْكَافِرِينَ } مِنْ الْجَاحِدِينَ نَعَمْ اللَّه عَلَيْهِ وَأَيَادِيه عِنْده بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ السُّجُود لِآدَم , كَمَا كَفَرَتْ الْيَهُود نِعَم رَبّهَا الَّتِي آتَاهَا وَآبَاءَهَا قَبْل : مِنْ إطْعَام اللَّه أَسْلَافهمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَإِظْلَال الْغَمَام عَلَيْهِمْ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ نِعَمه الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ , خُصُوصًا مَا خَصَّ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِدْرَاكِهِمْ إيَّاهُ وَمُشَاهَدَتهمْ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ ; فَجَحَدَتْ نُبُوَّته بَعْد عِلْمهمْ بِهِ , وَمَعْرِفَتهمْ بِنُبُوَّتِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا . فَنَسَبَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِينَ , فَجَعَلَهُ مِنْ عِدَادهمْ فِي الدِّين وَالْمِلَّة , وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِي الْجِنْس وَالنِّسْبَة , كَمَا جَعَلَ أَهْل النِّفَاق بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى النِّفَاق , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْسَابهمْ وَأَجْنَاسهمْ , فَقَالَ : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض } 9 67 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي النِّفَاق وَالضَّلَال , فَكَذَلِكَ قَوْله فِي إبْلِيس : { كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } كَانَ مِنْهُمْ فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ وَمُخَالَفَته أَمْره وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا جِنْسه أَجْنَاسهمْ وَنَسَبه نَسَبهمْ . وَمَعْنَى قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } أَنَّهُ كَانَ حِين أَبَى عَنْ السُّجُود مِنْ الْكَافِرِينَ حِينَئِذٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } فِي هَذَا الْمَوْضِع وَكَانَ مِنْ الْعَاصِينَ . 591 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَعْنِي الْعَاصِينَ . وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . وَذَلِكَ شَبِيه بِمَعْنَى قَوْلنَا فِيهِ . وَكَانَ سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم تَكْرِمَة لِآدَم وَطَاعَة لِلَّهِ , لَا عِبَادَة لِآدَم . كَمَا : 592 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم } فَكَانَتْ الطَّاعَة لِلَّهِ , وَالسَّجْدَة لِآدَم , أَكْرَمَ اللَّه آدَم أَنْ أَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَته . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا } فَمَعْطُوف عَلَى قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مُعَدِّدًا عَلَيْهِمْ نِعَمه , وَمُذَكِّرهمْ آلَاءَهُ عَلَى نَحْو الَّذِي وَصَفْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل : اُذْكُرُوا فَعَلَيَّ بِكُمْ إذْ أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , فَخَلَقْت لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَإِذْ قُلْت لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة , فَكَرَّمْت أَبَاكُمْ آدَم بِمَا آتَيْته مِنْ عِلْمِي وَفَضْلِي وَكَرَامَتِي , وَإِذْ أَسْجَدْت لَهُ مَلَائِكَتِي فَسَجَدُوا لَهُ . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعهمْ إبْلِيس , فَدَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ أَمَرَ بِالسُّجُودِ مَعَهُمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إلَّا إبْلِيس لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إذْ أَمَرْتُك } 7 11 : 12 فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ إبْلِيس فِيمَنْ أَمَرَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم . ثُمَّ اسْتَثْنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ مِنْ السُّجُود لِآدَم , فَأَخْرَجَهُ مِنْ الصِّفَة الَّتِي وَصَفَهُمْ بِهَا مِنْ الطَّاعَة لِأَمْرِهِ وَنَفَى عَنْهُ مَا أَثَبَتَهُ لِمَلَائِكَتِهِ مِنْ السُّجُود لِعَبْدِهِ آدَم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَمْ هُوَ مِنْ غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 573 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة , يُقَال لَهُمْ " الْجِنّ " خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . قَالَ : فَكَانَ اسْمه الْحَارِث . قَالَ : وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذَا الْتَهَبَتْ . 574 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس قَبْل أَنْ يَرْكَب الْمَعْصِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَكَانَ مِنْ أَشَدّ الْمَلَائِكَة اجْتِهَادًا وَأَكْثَرهمْ عِلْمًا , فَذَلِكَ دَعَاهُ إلَى الْكِبْر , وَكَانَ مِنْ حَيّ يُسَمَّوْنَ حِنًّا . 575 - وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , أَوْ مُجَاهِد أَبِي الْحَجَّاج , عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ مَلِكًا مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَعُمَّارهَا , وَكَانَ سُكَّان الْأَرْض فِيهِمْ يُسَمَّوْنَ الْجِنّ مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . 576 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : جَعَلَ إبْلِيس عَلَى مُلْك سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ مِنْ قَبِيلَة مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنّ لِأَنَّهُمْ خُزَّان الْجَنَّة , وَكَانَ إبْلِيس مَعَ مُلْكه خَازِنًا . 577 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ إبْلِيس مِنْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَان , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان الْأَرْض . قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : وَقَوْله : { كَانَ مِنْ الْجِنّ } , إنَّمَا يُسَمَّى بِالْجِنَانِ أَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَيْهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ : مَكِّيّ , وَمَدَنِي , وَكُوفِيّ , وَبَصْرِيّ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ سِبْط مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة , فَكَانَ اسْم قَبِيلَته الْجِنّ . 578 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة وَشَرِيك بْن أَبِي نَمِر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة مِنْ الْجِنّ , وَكَانَ إبْلِيس مِنْهَا , وَكَانَ يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَحُدِّثْت عَنْ الْحَسَن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول فِي قَوْله : { فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ إبْلِيس كَانَ مِنْ أَشَرَف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث ابْن جُرَيْجٍ الْأَوَّل سَوَاء . 579 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْبَان , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْن مِسْكِين , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كَانَ إبْلِيس رَئِيس مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا . 580 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَة لَمْ يُؤْمَر بِالسُّجُودِ وَكَانَ عَلَى خِزَانَة سَمَاء الدُّنْيَا . قَالَ : وَكَانَ قَتَادَةَ يَقُول : جَنَّ عَنْ طَاعَة رَبّه . وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . 581 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : أَمَّا الْعَرَب فَيَقُولُونَ : مَا الْجِنّ إلَّا كُلّ مِنْ اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ . وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 أَيْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَقَدْ قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } 37 158 وَذَلِكَ لِقَوْلِ قُرَيْش : إنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . فَيَقُول اللَّه : إنْ تَكُنْ الْمَلَائِكَة بَنَاتِي فَإِبْلِيس مِنْهَا , وَقَدْ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْن إبْلِيس وَذُرِّيَّته نَسَبًا . قَالَ : وَقَدْ قَالَ الْأَعْشَى , أَعْشَى بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ , وَهُوَ يَذْكُر سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَمَا أَعْطَاهُ اللَّه : وَلَوْ كَانَ شَيْء خَالِدًا أَوْ مُعَمَّرًا لَكَانَ سُلَيْمَان الْبَرِيّ مِنْ الدَّهْر بَرَاهُ إلَهِي وَاصْطَفَاهُ عباده وَمَلَّكَهُ ما بين ثُرْيَا إلَى مِصْر وَسَخَّرَ مِنْ جِنّ الْمَلَائِك تِسْعَة قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْر قَالَ : فَأَبَتْ الْعَرَب فِي لُغَتهَا إلَّا أَنَّ " الْجِنّ " كُلّ مَا اجْتَنَّ . يَقُول : مَا سَمَّى اللَّه الْجِنّ إلَّا أَنَّهُمْ اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَمَا سُمِّيَ بَنِي آدَم الْإِنْس إلَّا أَنَّهُمْ ظَهَرُوا فَلَمْ يَجْتَنُّوا , فَمَا ظَهَرَ فَهُوَ إنْس , وَمَا اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ فَهُوَ جِنّ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 582 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَا كَانَ إبْلِيس مِنْ الْمَلَائِكَة طَرْفَة عَيْن قَطّ , وَإِنَّهُ لِأَصْلِ الْجِنّ كَمَا أَنَّ آدَم أَصْل الْإِنْس . 583 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } إلْجَاء إلَى نَسَبه فَقَالَ اللَّه : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته أَوْلِيَاء مِنْ دُونِي } الْآيَة . .. وَهُمْ يَتَوَالَدُونَ كَمَا يَتَوَالَد بَنُو آدَم . 584 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْيَحْمُدِيّ , حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا سَوَّار بْن الْجَعْد الْيَحْمُدِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَوْله : { مِنْ الْجِنّ } قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمْ الْمَلَائِكَة , فَأَسَرَهُ بَعْض الْمَلَائِكَة فَذَهَبَ بِهِ إلَى السَّمَاء . 585 - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو نَصْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَلَّال , قَالَ : حَدَّثَنِي سُنَيْد بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ مُوسَى بْن نُمَيْر , وَعُثْمَان بْن سَعِيد بْن كَامِل , عَنْ سَعْد بْن مَسْعُود , قَالَ : كَانَتْ الْمَلَائِكَة تُقَاتِل الْجِنّ , فَسُبِيَ إبْلِيس وَكَانَ صَغِيرًا , فَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فَتَعَبَّدَ مَعَهَا . فَلَمَّا أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَم سَجَدُوا , فَأَبَى إبْلِيس ; فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 586 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُبَارَك بْن مُجَاهِد أَبُو الْأَزْهَر , عَنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَمِر , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلًا يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , فَكَانَ إبْلِيس مِنْهُمْ , وَكَانَ إبْلِيس يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَعَصَى , فَمَسَخَهُ اللَّه شَيْطَانًا رَجِيمًا . 587 - قَالَ : وَحَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : إبْلِيس أَبُو الْجِنّ , كَمَا آدَم أَبُو الْإِنْس . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّهُ خَلَقَ إبْلِيس مِنْ نَار السَّمُوم وَمِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَلَمْ يُخْبِر عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُ خَلَقَهَا مِنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ . وَأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ . فَقَالُوا : فَغَيْر جَائِز أَنْ يُنْسِب إلَى غَيْر مَا نَسَبَهُ اللَّه إلَيْهِ . قَالُوا : وَلَإِبْلِيس نَسْل وَذُرِّيَّة , وَالْمَلَائِكَة لَا تَتَنَاسَل وَلَا تَتَوَالَد . 588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ شَرِيك عَنْ رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ اللَّه خَلَقَ خَلْقًا , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم فَقَالُوا : لَا نَفْعَل . فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا تُحْرِقهُمْ . ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَر , فَقَالَ : إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين , اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَأَبَوْا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ . قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلَاءِ , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَقَالُوا : نَعَمْ . وَكَانَ إبْلِيس مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ عِلَل تُنْبِئ عَنْ ضَعْف مَعْرِفَة أَهْلهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكِر أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ أَصْنَاف مَلَائِكَته مِنْ أَصْنَاف مِنْ خَلْقه شَتَّى , فَخَلَقَ بَعْضًا مِنْ نُور . وَبَعْضًا مِنْ نَار , وَبَعْضًا مِمَّا شَاءَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ . وَلَيْسَ فِي تَرْك اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ مَلَائِكَته وَإِخْبَاره عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ إبْلِيس مَا يُوجِب أَنْ يَكُون إبْلِيس خَارِجًا عَنْ مَعْنَاهُمْ , إذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون خَلَقَ صِنْفًا مِنْ مَلَائِكَته مِنْ نَار كَانَ مِنْهُمْ إبْلِيس , وَأَنْ يَكُون أَفْرَدَ إبْلِيس بِأَنْ خَلَقَهُ مِنْ نَار السَّمُوم دُون سَائِر مَلَائِكَته . وَكَذَلِكَ غَيْر مَخْرَجه أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة بِأَنْ كَانَ لَهُ نَسْل وَذُرِّيَّة لِمَا رُكِّبَ فِيهِ مِنْ الشَّهْوَة وَاللَّذَّة الَّتِي نُزِعَتْ مِنْ سَائِر الْمَلَائِكَة لَمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ مِنْ الْمَعْصِيَة . وَأَمَّا خَبَر اللَّه عَنْ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ , فَغَيْر مَدْفُوع أَنْ يُسَمَّى مَا اُجْتُنَّ مِنْ الْأَشْيَاء عَنْ الْأَبْصَار كُلّهَا جِنًّا , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي شِعْر الْأَعْشَى , فَيَكُون إبْلِيس وَالْمَلَائِكَة مِنْهُمْ لِاجْتِنَانِهِمْ عَنْ أَبْصَار بَنِي آدَم . الْقَوْل فِي مَعْنَى إبْلِيس . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِبْلِيس " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس : وَهُوَ الْإِيَاس مِنْ الْخَيْر وَالنَّدَم والْحُزْن . كَمَا : 589 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إبْلِيس أَبْلَسَهُ اللَّه مِنْ الْخَيْر كُلّه وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَة لِمَعْصِيَتِهِ . 590 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ اسْم إبْلِيس الْحَارِث , وَإِنَّمَا سُمِّيَ إبْلِيس حِين أُبْلِسَ مُتَحَيَّرًا . [ قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَمَا ] قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } 6 44 يَعْنِي بِهِ أَنَّهُمْ آيِسُونَ مِنْ الْخَيْر , نَادِمُونَ حُزْنًا , كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِف رَسْمًا مُكْرَسَا قَالَ نَعَمْ أَعْرِفهُ وَأَبْلَسَا وَقَالَ رُؤْبَة : وَحَضَرْت يَوْم الْخَمِيس الْأَخْمَاس وَفِي الْوُجُوه صُفْرَة وَإِبْلَاس يَعْنِي بِهِ اكْتِئَابًا وَكُسُوفًا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ إبْلِيس كَمَا قُلْت " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس , فَهَلَّا صُرِفَ وَأُجْرِيَ ؟ قِيلَ : تُرِكَ إجْرَاؤُهُ اسْتِثْقَالًا إذْ كَانَ اسْمًا لَا نَظِير لَهُ مِنْ أَسَمَاء الْعَرَب , فَشَبَّهَتْهُ الْعَرَب إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِأَسْمَاءِ الْعَجَم الَّتِي لَا تُجْرَى , وَقَدْ قَالُوا : مَرَرْت بِإِسْحَاقَ , فَلَمْ يَجُرُّوهُ , وَهُوَ مَنْ أَسْحَقَهُ اللَّه إسْحَاقًا , إذْ كَانَ وَقَعَ مُبْتَدَأ اسْمًا لِغَيْرِ الْعَرَب ثُمَّ تَسَمَّتْ بِهِ الْعَرَب فَجَرَى مَجْرَاهُ , وَهُوَ مِنْ أَسَمَاء الْعَجَم فِي الْإِعْرَاب , فَلَمْ يُصْرَف . وَكَذَلِكَ أَيُّوب إنَّمَا هُوَ فَيْعُول مِنْ آبَ يَئُوب . وَتَأْوِيل قَوْله : { أَبَى } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ إبْلِيس أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُود لِآدَم فَلَمْ يَسْجُد لَهُ . { وَاسْتَكْبَرَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ تَعَظَّمَ وَتَكَبَّرَ عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لِآدَم . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَبَرًا عَنْ إبْلِيس , فَإِنَّهُ تَقْرِيع لِضُرَبَائِهِ مِنْ خَلْق اللَّه الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَالتَّسْلِيم لَهُ فِيمَا أَوَجَبَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض مِنْ الْحَقّ . وَكَانَ مِمَّنْ تَكَبَّرَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالتَّذَلُّل لِطَاعَتِهِ وَالتَّسْلِيم لِقَضَائِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ حُقُوق غَيْرهمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَحْبَارهمْ الَّذِينَ كَانُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصِفَته عَارِفِينَ وَبِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول عَالَمِينَ , ثُمَّ اسْتَكْبَرُوا مَعَ عِلْمهمْ بِذَلِكَ عَنْ الْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِهِ , بَغْيًا مِنْهُمْ لَهُ وَحَسَدًا , فَقَرَعَهُمْ اللَّه بِخَبَرِهِ عَنْ إبْلِيس الَّذِي فَعَلَ فِي اسْتِكْبَاره عَنْ السُّجُود لِآدَم حَسَدًا لَهُ وَبَغْيًا نَظِير فِعْلهمْ فِي التَّكَبُّر عَنْ الْإِذْعَان لِمُحَمَّدٍ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَنُبُوَّته , إذْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد رَبّهمْ حَسَدًا وَبَغْيًا . ثُمَّ وُصِفَ إبْلِيس بِمِثْلِ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الَّذِينَ ضَرَبَهُ لَهُمْ مَثَلًا فِي الِاسْتِكْبَار وَالْحَسَد وَالِاسْتِنْكَاف عَنْ الْخُضُوع لِمَنْ أَمَرَهُ اللَّه بِالْخُضُوعِ لَهُ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانَ } يَعْنِي إبْلِيس { مِنْ الْكَافِرِينَ } مِنْ الْجَاحِدِينَ نَعَمْ اللَّه عَلَيْهِ وَأَيَادِيه عِنْده بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ السُّجُود لِآدَم , كَمَا كَفَرَتْ الْيَهُود نِعَم رَبّهَا الَّتِي آتَاهَا وَآبَاءَهَا قَبْل : مِنْ إطْعَام اللَّه أَسْلَافهمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَإِظْلَال الْغَمَام عَلَيْهِمْ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ نِعَمه الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ , خُصُوصًا مَا خَصَّ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِدْرَاكِهِمْ إيَّاهُ وَمُشَاهَدَتهمْ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ ; فَجَحَدَتْ نُبُوَّته بَعْد عِلْمهمْ بِهِ , وَمَعْرِفَتهمْ بِنُبُوَّتِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا . فَنَسَبَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِينَ , فَجَعَلَهُ مِنْ عِدَادهمْ فِي الدِّين وَالْمِلَّة , وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِي الْجِنْس وَالنِّسْبَة , كَمَا جَعَلَ أَهْل النِّفَاق بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى النِّفَاق , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْسَابهمْ وَأَجْنَاسهمْ , فَقَالَ : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض } 9 67 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي النِّفَاق وَالضَّلَال , فَكَذَلِكَ قَوْله فِي إبْلِيس : { كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } كَانَ مِنْهُمْ فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ وَمُخَالَفَته أَمْره وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا جِنْسه أَجْنَاسهمْ وَنَسَبه نَسَبهمْ . وَمَعْنَى قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } أَنَّهُ كَانَ حِين أَبَى عَنْ السُّجُود مِنْ الْكَافِرِينَ حِينَئِذٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } فِي هَذَا الْمَوْضِع وَكَانَ مِنْ الْعَاصِينَ . 591 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَعْنِي الْعَاصِينَ . وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . وَذَلِكَ شَبِيه بِمَعْنَى قَوْلنَا فِيهِ . وَكَانَ سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم تَكْرِمَة لِآدَم وَطَاعَة لِلَّهِ , لَا عِبَادَة لِآدَم . كَمَا : 592 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم } فَكَانَتْ الطَّاعَة لِلَّهِ , وَالسَّجْدَة لِآدَم , أَكْرَمَ اللَّه آدَم أَنْ أَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَته . '
تعليقات
إرسال تعليق