برنامج اقرؤوا القرآن تصحيح التلاوة للآية رقم 57-58 من سورة البقرة - لفضيلة الشيخ / ياسر الجندي - حلقة مسجلة من إذاعة القرآن الكريم القاهرة
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
تفسير بن كثير
وقوله تعالى: { وقولو حطة} قال ابن عباس: مغفرة استغفروا، وقال الضحّاك عن ابن عباس { وقولوا حطة} قال: قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم، وقال الحسن وقتادة: أي احطط عنا خطايانا { نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} وقال: هذا جواب الأمر، أي إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات، وضاعفنا لكم الحسنات. وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا للّه تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جداً عند النصر، كما روي أنه كان يوم الفتح فتح مكة داخلاً إليها من الثنية العليا وإنه لخاضع لربه حتى أن عثنونه ليمس مورك رحله شكراً للّه على ذلك. وقوله تعالى: { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} روي البخاري عن النبي صلى اللَه عليه وسلم : (قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا وقالوا حبة في شعرة ""رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً""( وقال الثوري عن ابن عباس في قوله تعالى: { ادخلوا الباب سجدا} قال: ركعا من باب صغير، فدخلوا من قبل أستاههم، وقالوا حنطة فذلك قوله تعالى: { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} . وحاصل ما ذكره المفسِّرون وما دلّ عليه السياق أنهم بدّلوا أمر اللّه لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأُمروا أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أستاههم رافعي رءوسهم، وأُمروا أن يقولوا حطة أي أحطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزءوا فقالوا حنطة في شعيرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة، ولهذا أنزل اللّه بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته، ولهذا قال: { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} . وقال الضحّاك عن ابن عباس: كل شيء في كتاب اللّه من الرجز يعني به العذاب، وقال أبو العالية: الرجُز الغضبُ، وقال سعيد بن جبير: هو الطاعون، لحديث: (الطاعون رجز عذاب عُذّب به من كان قبلكم ""الحديث رواه النسائي وأصله في الصحيحين"").
تفسير الجلالين
{ وإذ قلنا } لهم بعد خروجهم من التيه { ادخلوا هذه القرية } بيت المقدس أو أريحا { فكلوا منها حيث شئتم رغدا } واسعا لاَ حَجْرَ فيه { وادخلوا الباب } أي بابها { سجداً } منحنين { وقولوا } مسألتنا { حطة } أي أن تحط عنا خطايانا { نغفر } وفي قراءة بالياء والتاء مبنياً للمفعول فيهما { لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين } بالطاعة ثواباً.
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
تفسير بن كثير
لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم، شرع يذكِّرهم أيضاً بما أسبغ عليهم من النعم فقال: { وظلّلنا عليكم الغمام} جمع غمامة، سمي بذلك لأنه يغمّ السماء أي يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حرّ الشمس. وقال الحسن وقتادة { وظلّلنا عليكم الغمام} : كان هذا في البرّية ظلل عليهم الغمام من الشمس وعن مجاهد { وظلّلنا عليكم الغمام} قال: ليس بالسحاب هو الغمام الذي يأتي اللّه فيه في قوله: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر، قال ابن عباس: وكان معهم في التيه. { وأنزلنا عليكم المَنَّ} اختلفت عبارات المفسِّرين في المن ما هو؟ فقال ابن عباس: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا، وقال السُّدي: قالوا: يا موسى كيف لنا بما ههنا، أي الطعام؟ فأنزل عليهم المنّ فكان يسقط على شجرة الزنجبيل. وقال قتادة: كان المن ينزل عليهم في محلّهم سقوط الثلج، أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك. وقال عبد الرحمن بن أسلم: إنه العسل. والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن. فمنهم من فسَّره بالطعام، ومنهم من فسَّره بالشراب، والظاهر - واللّه أعلم - أنه كل ما امتنَّ اللّه به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كد. فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاماً وحلاوة، وإن مُزج مع الماء صار شرابا طيّباً، وإن ركِّب مع غيره صار نوعاً آخر، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده، والدليل على ذلك قول النبي صلى اللَه عليه وسلم : (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ""رواه البخاري وأخرجه الجماعة إلا أبا داود"").وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين. ""تفرد بإخراجه الترمذي وقال حديث حسن غريب"" وأما السلوى فقال ابن عباس: السلوى طائر يشبه السماني كانوا يأ كلون منه. وقال قتادة: السلوى كان من طير إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب، وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده، حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه وقال السُّدي: لما دخل بنو إسرائيل التيه قالوا لموسى عليه السلام: كيف لنا بما ههنا، أين الطعام؟ فأنزل اللّه عليهم المن. فكان ينزل على شجر الزنجبيل، والسلوى وهو طائر يشبه السماني أكبر منه فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير، فإن كان سميناً ذبحه وإلا أرسله فإذا سمن أتاه، فقالوا: هذا الطعام فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً فشرب كل سبط من عين، فقالوا: هذا الشراب فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام، فقالوا: هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتخرق لهم ثوب فذلك قوله تعالى: { وظلّلنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى} قال ابن عباس: خلق لهم في التيه ثياب لا تَخْرق ولا تَدْرن . لا تدرن : أي لا يصيبها وساخة ولا قذارة والدرن الوسخ قال ابن جريج: فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق يوم فسد إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسداً. وقوله تعالى: { كلوا من طيبات ما رزقناكم} أمر إباحة وإرشاد وامتنان، وقوله تعالى: { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا، كما قال: { كلوا من رزق ربكم واشكروا له} فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم. هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات، والمعجزات القاطعات، وخوارق العادات، من ههنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى اللَه عليه وسلم ورضي عنهم على سائر أصحاب الأنبياء، في صبرهم وثباتهم، وعدم تعنتهم مع ما كانوا معه في أسفاره وغزواته، منها عام تبوك في ذلك القيظ والحرّ الشديد والجهد، لم يسألوا خرق عادة ولا إيجاد أمر مع أن ذلك كان سهلاً على النبي صلى اللَه عليه وسلم، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم فجاء قدْر مبرك الشاة فدعا اللّه فيه وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل اللّه تعالى فجاءتهم سحابة فأمطرتهم فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر.
تفسير الجلالين
{ وظلَّلنا عليكم الغمام } سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه { وأنزلنا عليكم } فيه { المن والسلوى } هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر، وقلنا : { كلوا من طيبات ما رزقناكم } ولا تدَّخروا، فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم { وما ظلمونا } بذلك { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } لأن وباله عليهم .
تعليقات
إرسال تعليق